الخميس، 15 مارس 2012

مسيحيون بخلطة إسلامية


مسيحيون بخلطة إسلامية


بقلم: أحمد الجمال





في تراثنا الحضاري واقعة ترويها كتب التاريخ عن الحكيم العالم اليهودي الذي كان الخليفة يدنيه منه في مجلسه‏,‏ وحدث أن نهض اليهودي من مكانه ليقضي حاجته وعاد ليجد أحد الفقهاء المسلمين جالسا مكانه‏,‏ فطلب إليه ان ينهض ويخلي المطرح‏,‏ ومن فورة بادره الفقيه مستنكرا‏:‏

وهل أنت أفضل مني؟! فأجاب اليهودي نعم أنا أفضل لأني أعلم ما تعلم وأنت لاتعلم ما أعلم! وفي تراثنا الفقهي قواعد وردت في باب الصلاة تشير الي انه تجوز إمامة المفضول مع وجود الأفضل في الصف من وراء ذلك الإمام, وأن الصلاة تجوز وراء كل بر وفاجر!.. ثم إن الراشد العظيم عمر بن الخطاب كان يفضل للولاية علي الأمصار من لديه القوة والقدرة علي من هو أكثر ورعا وزهدا.. وحبذا لو كان الوالي جامعا للأمرين!.. ثم إن كل من درس الحقوق وتخرج فيها دارس وفاهم للشريعة الإسلامية, وإلا لم حصل علي الشهادة؟
تذكرت ذلك, وأنا أتابع تصريحات بعض المرشحين لرئاسة الجمهورية, وقد قال أحدهم إن الرئيس يجب ان تكون له خلفية إسلامية, وقال آخر إنه لو انتخب فسيجعلها إسلامية مائة بالمائة, وقال غيرهما كلاما عن رئيس يعرف الوضوء والسجود! ثم تساءلت بيني وبين نفسي عن حكاية الخلفية الإسلامية, وهي حكاية تتيح الهزر في موضع الجد, ولكن ما علينا الآن من الهزر والتندر, لأنني تساءلت عن نماذج مصرية وعربية تدين بالمسيحية ولها باع عريض وطويل في الإسلام عقيدة وشريعة وحضارة وثقافة.. وطرأ علي ذهني أسماء بعضها رحل عن عالمنا وبعضها مازال حيا, وأبرزهم مكرم عبيد باشا الذي صك العبارة الخالدة أنا مسيحي دينا مسلم وطنا وثقافة, وكيف كان يضمن خطاباته الجماهيرية نصوصا كاملة من القرآن الكريم يتلوها مضبوطة اللفظ والإعراب.. وعلي غراره كان الفقيه القانوني والمفكر الوطني المرموق الدكتور وليم سليمان قلادة, الذي يفيض ثقافة إسلامية عميقة, ويعرف من الإسلام ما لا يعرفه مسلمون يسجدون ويتوضأون ولهم أصوات عالية.. ثم حدث ولا حرج عن الراهب الدومينيكاني الجليل الأب جورج شحاتة قنواتي, صاحب المؤلفات الجليلة عظيمة الأثر في التراث العربي والإسلامي, ومعه عشرات من الآباء الرهبان من الدير نفسه ومن غيره من الأديرة.. وحدث ولا حرج أيضا عن أبينا المطران جورج خضر والمطران عطا الله حنا بثقافتهما العربية الإسلامية العميقة وبدورهما النضالي غير المنكور ضد الصهيونية والدولة العبرية!
تري هل المقصود بالخلفية الإسلامية والمقصود بالإسلامية مائة بالمائة, وبحكايات الساجدين والمتوضئين استبعاد المواطنين المصريين من المسيحيين خاصة, ثم من المسلمين الذين لا ينضوون تحت لواء الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية والجهاديين, وغيرهم من جماعات الإسلام السياسي؟ وهل يمكن ان نتحدث عن ان الانتماء إسلامي لاحق للانتماء الوطني, الذي هو الاصل ايا كانت ديانة او مذهب صاحبه, وهل يمكن ان يكون ذلك الانتماء الاسلامي انتماء للحضارة والثقافة والإبداع في كل المجالات التي برعت فيها المجتمعات في ظل حكم الراشدين والأمويين والعباسيين والعثمانيين والدول الاخري, كالمرابطين والموحدين والفاطميين والطولونيين وغيرهم؟! وهي حضارة وثقافة وإبداع لم يسهم فيه المسلمون وحدهم, وإنما شاركهم مسيحيون ويهود وصابئة ومجوس, وتشارك فيها سنة وشيعة وخوارج وصوفية ومعتزلة ومرجئة, وأرثوذكس وكاثوليك ونساطرة وأثوريون وكلدان, ومعهم منتمون للمذاهب اليهودية؟ وبصراحة أتساءل أيضا ألم يكن الطغاة منذ انقلبت الشوري توريثا, ذوي خلفية إسلامية, ومن المتوضئين والراكعين والساجدين؟ وكان بعضهم يغزو عاما ويحج عاما؟!إنهم يعودون بالأمة الي نقطة ماقبل الصفر, ويعصفون بالتراث الحضاري والثقافي الرفيع غير المنفصل عن ثوابت العقائد الدينية السماوية, ويدمرون بالتالي ثوابت الوطنية المصرية التي كانت دوما ضفيرة محكمة من قديم مصر ووسيطها وحديثها ومعاصرها, أيا كانت ملة او مذهب خيوط تكوينها.
إن هذا يفسر لي ما أشكلني طويلا, وهو أصل وجود سيفين علي راية الإخوان, وهل له علاقة بنظرية السيفين في التراث الكنسي لكنيسة روما الكاثوليكية, وهما السيفان اللذان تسلمهما القديس بطرس من السيد المسيح له المجد, أحدهما يعطي البابا سلطة روحية علي العباد, والآخر يعطيه السلطة الزمنية.. وفي هذا حديث آخر.