الخميس، 22 مارس 2012

الشعب والجيش والشرطة في وداع مهيب للبابا شنودة


الشعب والجيش والشرطة في وداع مهيب للبابا شنودة




وادي النطرون ـ أحمد عبدالخالق












بعد نحو‏25‏ دقيقة حلق فيها جثمان قداسة البابا شنودة بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في سماء القاهرة منذ تحرك الطائرة الهليكوبتر التي اقلته من مطار ألماظة العسكري إلي وادي النطرون الواقع علي نحو‏115‏ كيلو مترا من العاصمة‏,
‏ ليحط جثمانه في مهبط تم تجهيزه بالاحتياطات اللازمة وذلك علي بعد نحو اربعة كيلو مترات من دير الانبا بيشوي‏,‏ وكان في استقبال الجثمان محافظ البحيرة وقيادات القوات المسلحة‏.‏
وقد تم تجهيز جانبي الطريق الذي يصل إلي الدير مباشرة ليستوعب الأعداد الكبيرة التي احتشدت لتوديع قداستة ليواري عيون محبيه بعد‏72‏ ساعة منذ وفاته مساء الاحد‏.‏ واصطف محبو البابا وسط إجراءات تأمينية من القوات المسلحة والشرطة المدنية علي جانبي الطريق المؤدي الي مدفن البابا في دير الانبا بيشوي بصحراء وادي النطرون والواقع في نطاق محافظة البحيرة بالقرب من طريق القاهرة ـ الاسكندرية الصحراوي‏,‏ بناء علي وصية البابا‏,‏ لإلقاء النظرة الأخيرة قبل أن يرقد داخل مدفنه الذي اعد خصيصا بناء علي تكليفه للانبا باخوميوس القائم مقام قبل شهرين من رحيله‏,‏ ليكون البابا هو الثاني الذي يدفن في الدير بعد الأنبا بنيامين وهو البابا رقم‏82‏ الذي دفن في الدير نفسه‏.‏ وقد اعد المدفن من الرخام الفاخر وتم تزيينه بالايقونات المسيحية المحببة الي قلب البابا إلي جانب الأنوار والصلبان المذهبة‏,‏ داخل التابوت الذي صنع خصيصا بإيطاليا بوزن بلغ نحو‏102‏ كيلو جرام‏.‏ وقام رهبان دير الأنبا بيشوي باستقبال جثمان البابا شنودة بالألحان والتراتيل الكنسية وتلاوة الصلاة الربانية وبعض آيات الكتاب المقدس‏.‏
لتبدأ مراسم الدفن بقيام الاباء والاساقفة الضيوف مع الرهبان من الدير والاديرة الأخري بحمل الجثمان علي الاكتاف والطواف به داخل الدير علي انغام الكنيسة الجنائزية‏,‏ لتبدأ رحلته الأخيرة ليواري الثري في القبر الذي اعد خصيصا لذلك والذي يقع علي مسافة‏40‏ مترا من الكنيسة الأثرية‏,‏ ويظل الدير يتلقي التعازي لمدة‏3‏ أيام فور الانتهاء من دفن الجثمان‏.‏
وقد احتشد الألاف من محبي قداسة البابا علي الطرقات وفوق الاشجار وأسوار المبني بمقر الدير‏,‏ رافعين صور قداسة البابا‏,‏ وحاملين الكاميرات لالتقاط صور المشهد الجنائزي في محاولة منهم لالتقاط الصورة واللقطة الأخيرة للجثمان وهو داخل التابوت‏.‏
ووسط إجراءات أمنية غير عادية من قبل عناصر الشرطة العسكرية‏,‏ اصطف الاساقفة علي شكل صفين حاملين تابوت قداسة البابا للوصول به إلي مقر دفنه‏.‏ وقام كهنة عددهم‏24‏ مرتدين اللباس الأبيض يرمزون الي‏24‏ قسيسا المذكورين في سفر الرؤيا بالانجيل الواقفين أمام عرش المسيح بالمباخر‏.‏ وأمام مدفن قداسة البابا ردد رهبان الانبا بيشوي والاديرة القبطية الأخري والذين يمثلون جميع اديرة جمهورية مصر العربية ألحان اسبوع الآلام التي تقال بالدفنة يوم الجمعة العظيمة‏,‏ حتي وضع جثمان قداسة البابا داخل المزار الرخامي أو ما يسمي بـ الطافوس القبر‏,‏ مرددين الألحان الكنسية ويعتبر دير الأنبا بيشوي هو المكان المفضل للبابا شنودة‏,‏ ففي هذا الدير تم إخباره بنبأ انتخابه بطريركآ للكنيسة القبطية في نوفمبر‏1971,‏ وفيه أيضا قضي أكثر من سنتين رهنا للاقامة الجبرية بعد قيام الرئيس أنور السادات بالتحفظ عليه وتحديد إقامته به علي خلفية أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء‏.‏
وكان البابا شنودة يقيم ثلاثة أيام في الأسبوع بهذا الدير طوال السنوات الماضية وحتي وفاته‏.‏
ويعد دير الأنبا بيشوي من أهم المناطق الأثرية بمصر‏,‏ والذي يرجع تاريخ إنشائه إلي القرن الرابع عشر‏,‏ وهو أكبر أديرة وادي النطرون‏,‏ وتبلغ مساحته نحو فدانين‏,‏ ويضم خمس كنائس أكبرها كنيسة الأنبا بيشوي‏,‏ بجانب مبني للضيافة وحديقة واسعة ومكتبة‏,‏ وفيه العديد من الأماكن الأثرية المميزة مثل المائدة الأثرية وبئر الشهداء‏,‏ بجانب العديد من الأماكن التي يقطن بها الرهبان‏.‏
وتقع المقبرة التي تم وضع جثمان البابا بها في الجهة المقابلة للكنيسة الأثرية داخل الدير وقباب المقبرة مزينة بالرسوم القبطية‏,‏ وتحيط بالمقبرة مجموعة من النخيل وأشجار الزينة‏,‏ كما توجد بالقرب من المقبرة أقدم بئر مياه‏,‏وتسمي بدير الشهداء‏.‏ وتبلغ مساحة المقبرة الخاصة بقداسة البابا داخل الكنيسة المقدسة نحو‏250‏ مترا في‏160‏ مترا‏,‏ وتم تزيينها بالرخام من الداخل والخارج‏,‏ وتم وضعه داخل التابوت مرتديا كامل ملابسه الكاهنونية البيضاء و المحلاة بالصلبان وكأنه زاهد ليكمل خدمته في السماء مرتديا الصليب وفي يده عصا الرعية بالإضافة إلي ايقونة السيدة مريم العذراء‏.‏
وعن فكرة نقل جثمان البابا بطائرة عسكرية‏,‏ قال الخبير العسكري اللواء عبدالمنعم كاطو ان طيران القوات المسلحة ينقسم إلي ثلاثة أقسام هي الطيران المقاتل الذي يستخدم أثناء الحروب‏,‏ والثاني هو خاص بالنقل الذي يستخدم للنقل العسكري أو دعم المجهود المدني بتصديق من القيادة العامة للقوات المسلحة‏,‏ والنوع الثالث هو الهليكوبتر الذي يستخدم لنقل المدنيين وأيضا أثناء الحروب‏.‏ واشار إلي أن الطيران العسكري استخدم في العديد من المرات استخدامات مدنية منها نقل أوراق الثانوية العامة ونقل الأموال ومؤخرا في احداث بورسعيد تم نقل اللاعبين وتم نقل المجهود الغذائي إلي بورسعيد‏,‏ لافتا إلي ان الاستخدام المدني للطيران العسكري موجود طبقا لأوامر القيادة العامة فيما يخص الأمن القومي المصري أو وفقا لمتطلبات الوطن‏.‏ واوضح أن قرار نقل الجثمان بالطيران العسكري جاء تحسبا من تعرضه لمخاطر أثناء نقله حيث أن وصية البابا أن يدفن بوادي النطرون والمسافة من القاهرة إلي وادي النطرون ليست بالقليلة‏.‏
وعن علاقة البابا شنودة مع المجلس العسكري‏,‏ قال محامي الكنيسة رمسيس النجار‏:‏ إن أحداث ماسبيرو وأحداث إمبابة التي شهدتها مصر عقب أحداث ثورة‏25‏ يناير أظهرت مدي علاقة البابا شنودة بالمجلس العسكري وكيف اتسمت بالود وتبادل الزيارات‏.‏
وقال ان البابا من أبناء القوات المسلحة فهو خدم بالجيش المصري ومنذ تولي المشير حسين طنطاوي قيادة المجلس الأعلي للقوات المسلحة في‏11‏ فبراير من العام الماضي أمر البابا بأن نصلي من أجل أن يوفق المجلس العسكري في قيادته لشئون البلاد‏.‏
وقال رمسيس النجار أصدر البابا أمرا بالصلاة من أجل المجلس العسكري عقب توليه قيادة شئون البلاد ومن أجل أن يعطيهم الله الحكمة والإرشاد في إدارة شئون البلاد‏,‏ وكان قد اتصل البابا بالمشير حسين طنطاوي ليبارك له مسئوليته الجديدة هو وأعضاء المجلس العسكري لافتا إلي لقاء البابا والمشير مؤخرا قبل وفاته‏.‏
وأضاف وكعادة البابا وحكمته فهو شخصية محبوبة للجميع وبمجرد لقائه فإن الحب والوئام يسود اللقاء مشيرا في هذا الصدد إلي أنه أثناء أحداث ماسبيرو حدد قداسة البابا شنودة موعدآللقاء المجلس العسكري وبالفعل التقي بعدد من أعضاء المجلس بمقره البابوي وعرض عليهم ما حدث لأولاده في أحداث ماسبيرو‏.‏ وأكد رمسيس النجار أن البابا كان دائم الاتصال بالمجلس العسكري في حالة وجود أي مشاكل للأقباط وهو ما حدث أثناء أحداث إمبابة أيضا مشددا علي أن علاقته بالمجلس العسكري كانت علاقة وطيدة لدرجة أن بعض أبنائه كانوا يرفضون حضور المجلس العسكري لعيد الميلاد الماضي إلا أنه أصر علي استقبالهم وأوصي أولاده وكأنه يري أن الروح قد قاربت علي المفارقة‏.‏
واشار إلي أن علاقته بالمجلس كانت وطيدة لدرجة محبة المجلس العسكري لشخص الأنبا شنودة وحضور المشير طنطاوي شخصيا له أمس الأول لإلقاء نظرة الوداع وجلس مع الأساقفة الذين خلفهم البابا لافتا إلي أنه لأول مرة ينقل جثمان البابا بطائرة عسكرية مرجعا سبب ذلك إلي الظروف وتوافر طيران في الوقت الحالي عما سبق‏.‏


الاهرام المسائى